الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

أيها الذين سبقونى إلى الحياة..!!

بينما يتحرك كل شئ هنا بسرعة... ويتسارع العالم على سيادات لا تدوم لأكثر من عقود... تولد البيكتريا وتتكاثر وتشكل ممالكها فى ثوان... يتحرك عالم آخر فى بطء شديد... يحسب خطواته بالسنوات الضوئية، ولا تشكل ملايين السنين فى حياته إلا حقبا كأنها الأيام...
أيها الذين سبقونا إلى هناك... قريبا سأكون بينكم... لم يبق لى هنا إلا اتخاذ القرار... القرار الصعب... الرحيل المر... سأترك كل ما ألِفت لأذهب وحدى إلى المجهول... ترى ماذا هناك على الضفة الأخرى؟!
أيها الذين سبقونى إلى هناك! كيف أحوالكم؟ ماذا جرى لكم؟ كيف تحيون فى ذلك العالم الذى لست أعرف عن ملامحه شيئا؟
أيها الذين سكنوا القبور... ماذا لديكم هناك؟
لماذا لا تجيبوننى؟
ألا تنطقون؟
كيف تتواصلون إذن فيما بينكم؟
يستحيل علىّ تصور عالمكم يعيشه كل شخص بمفرده بمعزل عن الآخر... لا يتصور العقل عالما كهذا! لو كان الأمر كذلك، فدعونى أبحث عن عالم آخر... إليه أرحل!
خرجت من المقابر، وترجلت إلى الشارع... لا أذكر شيئا مما رأت عيناى... أفقت على منظر الجنين فى شاشة جهاز الموجات الصوتية، بعد أن أخبرت تلك السيدة أنها فى آخر أسبوعين قبل إطلاق جنينها إلى عالمنا.
ساعتها، تخيلت أن لدىّ جهازا يمكنه قراءة أفكار هذا الجنين، ورأيته يصرخ متسائلا:
أيها الذين سبقونى إلى هناك! أما منكم من أحد يخبرنى كيف وجد الحياة فى هذا العالم الفسيح؟
كيف أحوالكم؟ ماذا جرى لكم بعد أن غادرتم أرحام أمهاتكم؟ كيف تحيون فى ذلك العالم الذى لست أعرف عن ملامحه شيئا؟
أيها الذين خرجوا من الوعاء الدافئ الذى يحتوينى... ماذا لديكم هناك.؟!
لماذا لا تجيبونى؟
ألا تنبضون؟
كيف تتواصلون إذن؟!
يستحيل على إدراكى استيعاب طريقة عيشكم، كيف تستوعبون الحياة جميعا فى جماعات تختلطون فيها بالملايين؟! لا يتصور إدراكى عالما كهذا... لو كان الأمر مزعجا كما أتصوره... فأجيبونى... لعلى أبحث عن عالم آخر... فيه أنزل؟
ثم استدار يخاطبنى:
قل لى أيها الطبيب؛ لماذا لا يمكننى البقاء فى وعائى هذا إلى الأبد؟
حاولت أن أوعز إليه بأية طريقة أنه يعلق برحم يستحيل عليه الخلود، وأنه لابد ستأتى ساعة يمجه الرحم مجا ويطلقه إلى عالمنا... ومتى جاء، سيكون على الرحب والسعة... لكن الجهاز الذى كان بين يدى، لم يكن يترجم لغاتنا إلى نبضات...
ظل ينبض، وأفهم أن نبضاته صرخات... وتساؤلات...
لكنى بعد أن عجزت عن إجابته ولو بنبضة واحدة... رأيته يستدير إلى الجهة الأخرى، ويهيم فى عالمه، يتحسس عينيه وإحدى أذنيه...
نادتنى الأم متسائلة: أترى هناك خطر؟
فلمحت حول عنقها سلسلة حلقاتها العليا ضيقة تتسع كلما اتجهنا إلى أسفل... حتى تنتهى بقطعة ذهبية على شكل حلقة واسعة... واسعة جدا، أوسع بكثير من كل حلقات السلسلة.
لعلها لاحظت تركيزى عليها، فوضعت كفها على الحلقة الكبيرة المتدلية من السلسلة وقالت:
لست أعتقد أنه بمقدورى شفاء تساؤلاتك... بالكاد، مررت بحلقة... وأنتظر الانتقال إلى الثانية... مثلك تماما... لكنى لست قلقة... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق